وکاله آریا للأنباء - أسواق غزه محاصره بالغلاء واحتکار البضایٔع (الجزیره)
غزه – یعیش قطاع غزه واحده من أشد أزماته الاقتصادیه منذ سنوات، بفعل القیود المشدده المفروضه على حرکه البضائع عبر المعابر، والتی حوّلت إدخال السلع الأساسیه إلى ما یشبه "المزاد المالی المغلق".
إذ تُفرض رسوم وتنسیقات باهظه على الشاحنات التجاریه تصل أحیانًا إلى أکثر من 100 ألف شیکل (31 ألف دولار) للشاحنه الواحده، فی بیئه احتکاریه أضعفت المنافسه وخنقت النشاط التجاری فی مختلف القطاعات.
وتشیر بیانات الغرفه التجاریه إلى أن إجمالی المبالغ المدفوعه لتنسیق دخول البضائع بلغ نحو 805 ملایین دولار حتى مارس/آذار 2025، مما أدى إلى ارتفاعات حاده فی الأسعار تراوحت بین 200 و500% مقارنه بالفتره التی سبقت الحرب.
وتکشف هذه الأرقام حجم التشوّه فی منظومه التسعیر داخل السوق المحلی، وتبرز عمق الأزمه التی طالت القدره الشرائیه للسکان وسط مؤشرات مقلقه لارتفاع معدلات الفقر والبطاله التی وصلت إلى ما بین 70 و80%.
انهیار اقتصادی شامل
ویحذر خبراء اقتصادیون من أن استمرار هذا الواقع دون رقابه أو شفافیه فی إداره المعابر قد یقود إلى انهیار شامل للاقتصاد الغزّی. ویؤکد هؤلاء الحاجه إلى تدخل دولی عاجل یضمن انسیاب البضائع والمساعدات الإنسانیه وفق آلیات رقابیه شفافه تعید التوازن إلى اقتصاد أنهکته الحرب والقیود.

الخضراوات والفواکه فی الأسواق وفره تغیب عنها القدره الشرایٔیه (الجزیره) ویرى الخبیر فی الشأن الاقتصادی أحمد أبو قمر أن استمرار الوضع الحالی ینذر بمزید من ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم ، مما یؤدی إلى انکماش أعمق فی الاقتصاد المحلی واستمرار ما وصفه بـ"هندسه وإداره المجاعه ".
ویوضح فی حدیثه للجزیره نت أن " الاحتلال الإسرائیلی یتحمل المسؤولیه الأساسیه عن الأزمه الحالیه، من خلال تنصله من الاتفاقیات الموقعه وتقنین دخول البضائع، واستخدام المعابر کورقه ضغط على السکان فی قطاع غزه".
ویدعو إلى رفع القیود المفروضه على إدخال السلع وفتح المعابر بشکل کامل وفق ما تم الاتفاق علیه، بما یضمن دخول نحو 600 شاحنه یومیًا من مختلف الأصناف، والسماح بإدخال المواد التی ما تزال إسرائیل تمنعها بحجه "الاستخدام المزدوج".
ویؤکد أن تحقیق إصلاح اقتصادی حقیقی وخفض الأسعار یتطلب معالجه جذریه لمسببات الأزمه، تبدأ بإزاله القیود على حرکه البضائع وضمان تدفقها إلى الأسواق دون ضرائب أو تنسیقات، بما یمهد لتعافٍ اقتصادی مستدام ویعید الثقه للمستهلک الغزّی.
غلاء وجشع واحتکار
ویشکو مواطنون التقتهم الجزیره نت من ندره أصناف أساسیه فی الأسواق مثل الدجاج واللحوم الحمراء والأسماک المجمده والبیض، وإن وُجدت فهی شحیحه وبأسعار مرتفعه تفوق قدره معظم الأسر على الشراء.
ویبرر بعض التجار هذا الارتفاع بتکالیف النقل ورسوم التنسیقات المفروضه على إدخال البضائع، إضافه إلى قله الکمیات المسموح بدخولها وضعف المعروض فی السوق، مما یؤدی إلى احتکار بعض السلع ورفع أسعارها بشکل غیر منطقی.
لکن المواطنین یرون أن هذه المبررات لا تعفی التجار من استغلال الأوضاع الصعبه لتحقیق أرباح مبالغ فیها، مطالبین بتشدید الرقابه وضبط الأسعار وضمان العداله فی توزیع السلع الأساسیه.
وتقول المواطنه خلود العثمانی للجزیره نت: "ما یشهده السوق من ارتفاع جنونی فی الأسعار وغیاب کثیر من السلع الأساسیه لم یعد أزمه اقتصادیه عابره، بل عبئًا یومیًا یخنق حیاتنا کمواطنین"، وتضیف: "إن احتکار بعض التجار للبضائع والتحکم فی تسعیرها دون رقابه حقیقیه جعل المواطن البسیط یدفع الثمن الأکبر".
أما التاجر عدی أحمد، الذی یعمل فی بیع اللحوم والدجاج والأسماک المجمده، فیؤکد أنه یرفض شراء بعض السلع بأسعار تفوق قیمتها الحقیقیه رغم وجود زبائن لها، ویقول للجزیره نت: "لا أرید أن أکون شریکًا فی زیاده معاناه الناس أو استغلال الأزمه لتحقیق مکاسب سریعه على حسابهم، فسمعتی التجاریه أهم من أی ربح مؤقت".

محلات اللحوم والمجمّدات خالیه من الزبایٔن بسبب ارتفاع ثمنها (الجزیره) ضغط سیاسی وابتزاز
ویُعد الاحتلال الإسرائیلی العامل الأبرز فی خنق الاقتصاد الغزّی، عبر إحکام سیطرته على المعابر التجاریه واستخدامها کأداه ضغط سیاسی واقتصادی على أکثر من ملیونی مواطن فی القطاع. وتؤدی القیود المفروضه على إدخال المواد الأساسیه والوقود إلى تعطیل الدوره الاقتصادیه وإضعاف البنیه الإنتاجیه، مما یجعل غزه رهینه لسیاسات الاحتلال.
ویؤکد محللون سیاسیون أن غیاب الضغط الدولی على إسرائیل لإلزامها بالاتفاقات أسهم فی تفاقم الأزمه وکرّس واقعًا اقتصادیًا مختلًا یتطلب تدخلا عاجلا لوقف استغلال المعابر کورقه ضغط سیاسی.
ویعتبر الخبیر والمحلل السیاسی مأمون أبو عامر أن الاحتلال یوظف الملف الاقتصادی کأداه ضغط ممنهجه على قطاع غزه، من خلال التحکم الکامل فی المعابر وإداره حرکه البضائع بطریقه انتقائیه تهدف إلى إبقاء الاقتصاد فی حاله تبعیه وضعف دائمین.
ویشیر فی حدیثه للجزیره نت إلى أن "التنسیقات التجاریه المفروضه تمثل شکلا جدیدا من الابتزاز الاقتصادی المنظم، التی تُستخدم لتحقیق مکاسب مالیه وسیاسیه مزدوجه، بینما یتحمل المواطن الغزّی الکلفه النهائیه عبر ارتفاع الأسعار وتراجع القدره الشرائیه".
ویختم بالقول إن "هذا النهج یندرج ضمن سیاسه الإداره بالأزمه التی یتّبعها الاحتلال لإبقاء الوضع فی غزه تحت السیطره"، مشددًا على أن رفع القیود ووقف سیاسه التنسیقات شرط أساسی لأی تحول اقتصادی حقیقی یعید التوازن ویحمی حق الفلسطینیین فی حیاه کریمه واقتصاد حر ومستقل".
انعکاسات نفسیه عمیقه
ولا تقتصر تداعیات الأزمه على الاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسیه والإنسانیه والاجتماعیه. ویوضح استشاری الصحه النفسیه نعیم العبادله أن شحّ السلع الأساسیه وارتفاع أسعارها یخلّف آثارًا نفسیه عمیقه على المواطنین، إذ یولّد انعدام القدره على توفیر احتیاجات الأسره الیومیه شعورًا متزایدًا بالعجز والضغط النفسی، خصوصًا لدى الآباء والأمهات.
ویقول للجزیره نت: "إن استمرار الأزمه دون حلول واقعیه قد یقود إلى تآکل الثقه المجتمعیه وتراجع الشعور بالأمان والکرامه الإنسانیه، حیث إن الاستقرار النفسی مرتبط ارتباطًا وثیقًا بالأمن الغذائی والمعیشی".
ویفاقم استمرار فرض رسوم التنسیقات المرتفعه واحتکار السلع الأساسیه التکالیف على التجار والمستهلکین على حد سواء، مما یؤدی إلى انهیار القدره الشرائیه واتساع رقعه الفقر والتبعیه للمساعدات.
وبقاء هذه الحلقه المغلقه من الاحتکار والتنسیقات سیحوّل الأزمه من مشکله مؤقته إلى انهیار اقتصادی هیکلی قد یستمر لسنوات طویله، ما لم تُتخذ خطوات جاده لإعاده التوازن إلى اقتصاد غزه وإنقاذ حیاه سکانها من دوامه الفقر والعوز.
المصدر: الجزیره