وکاله آریا للأنباء - تفاؤل کبیر بانتعاش الاقتصاد وتحسن سعر اللیره وانفتاح المشاریع فی سوریا بعد إلغاء قانون قیصر (الأناضول)
دمشق – اعتبر خبراء ومسؤولون حکومیون سوریون أن موافقه مجلس النواب الأمیرکی أمس الأربعاء على إلغاء قانون قیصر، الذی یفرض حزمه کبیره من العقوبات الأمیرکیه على سوریا منذ العام 2019، محطه مهمه على طریق التعافی الاقتصادی وعوده سوریا إلى النظام المالی العالمی.
وأشار خبراء اقتصادیون إلى أن أثر إلغاء قانون قیصر سیکون ملموسا للسوریین فی المدى المتوسط سواء على مستوى الدخل أو سعر الصرف أو التجاره أو غیرها من الجوانب الاقتصادیه المؤثره على معیشه السوریین.
وارتفعت قیمه اللیره السوریه مقابل الدولار الیوم الخمیس بنحو 6% (فی وقت إعداد التقریر) وسط توقعات بتحسن مستمر لأداء اللیره خلال الأیام القلیله المقبله.
ما الأثر الفوری لإلغاء قانون قیصر؟
ویرجّح خبراء انخفاض أسعار السلع الأساسیه بالتوازی مع تحسن سعر صرف اللیره السوریه خلال الأسابیع القلیله المقبله، وبالتالی تحسن النشاط التجاری فی الأسواق السوریه.
ویتوقع الباحث الاقتصادی ملهم جزماتی أن تتقدم "العوامل النفسیه" بعد إلغاء قانون قیصر على أی تطور اقتصادی فعلی على المدى القصیر، إذ سیُنظر إلى هذا الإلغاء بوصفه "إشاره سیاسیه أکثر منه تحولا بنیویا فی الاقتصاد السوری".
وفی حدیث للجزیره نت، یرجح جزماتی أن ینعکس هذا المناخ الإیجابی بعد رفع قیصر بشکل فوری على سوق الصرف وسلوک المتعاملین، مشیرا إلى أن الناس والمؤسسات المحلیه تمیل إلى تخفیف الاندفاع نحو الدولار مع تراجع عنصر الخوف المرتبط بالعقوبات، مما یؤدی إلى تحسن سعر صرف اللیره.
غیر أنه یعود لیؤکد أن هذه الموجه من الإیجابیه بطبیعتها قصیره الدیمومه لأنها لا تستند إلى زیاده فی الإنتاج أو تحسن فی مؤشرات السوق الحقیقیه، بل تستند إلى التوقعات وحدها.
أما الخبیر الاقتصادی والباحث فی کلیه لندن للاقتصاد زکی محشی، فیشیر إلى أن إلغاء عقوبات قیصر یؤدی إلى رفع وتیره النشاط الاقتصادی، ویمنح أصحاب الأعمال قدره کبرى على توفیر مستلزماتهم من البضائع والخدمات.
ویتوقع محشی، فی حدیث للجزیره نت، زیاده فی حجم المستوردات خلال الفتره المقبله، مما سیؤدی إلى درجه من التنافس وفائض فی العرض، وبالتالی انخفاض أسعار بعض السلع الاستهلاکیه.
ویلفت الخبیر أیضا إلى أن سوریا ستشهد زیاده التحویلات والمعاملات المالیه مما سیخلق فرص عمل داخل القطاع المالی، فی وقت یدفع فیه انفتاح الأسواق الخارجیه أمام المنتجین المحلیین إلى توجیه جزء من إنتاجهم نحو التصدیر، مما یفتح مساحات إضافیه للعمل.
ویربط محشی بین تدفق الاستثمارات واستقرار سعر الصرف وضبط التضخم ضمن حدود معینه، معتبرا أن ذلک ینعکس مباشره على مستوى المعیشه فی الداخل السوری.
کیف ینعکس إلغاء قانون قیصر على معیشه السوریین فی المدى المتوسط؟
ویؤکد الباحث ملهم جزماتی أن أی انخفاض حقیقی فی الأسعار یجب ترقّبه على المدى المتوسط ولیس القریب، إذ إن انخفاض الأسعار سیبقى مرتبطا بعوامل أعمق من مجرد تحسن فی سعر الصرف مثل: تراجع تکالیف الاستیراد فعلیا، وتحسن المنافسه فی السوق، واستقرار السیاسات المالیه والنقدیه لمده طویله تتیح انتقال "أثر التراجع فی الدولار من دفاتر المستورد إلى رفوف المتاجر".
ویتفق مع هذا الرأی الخبیر الاقتصادی والمصرفی الدکتور إبراهیم قوشجی، الذی یشیر إلى أن أثر رفع العقوبات سیظهر تدریجیا فی المدى المتوسط، أی خلال عام إلى عامین، عبر تحسن محتمل فی الدخل والقدره الشرائیه مع استقرار سعر الصرف وتراجع التضخم نتیجه تدفق السلع والتمویل.
وفی حدیثه للجزیره نت، بیّن قوشجی أن مشاریع إعاده الإعمار والاستثمارات الجدیده التی ستتدفق إلى سوریا بعد إلغاء قانون قیصر بإمکانها أن توفر آلاف الوظائف فی قطاعات البناء والصناعه والخدمات، وأن تحسّن القدره على الحصول على تمویل خارجی یمکّن الحکومه من تطویر شبکات الکهرباء والمیاه والصحه والتعلیم بما یرفع مستوى الخدمات والمعیشه.
ویصف قوشجی إلغاء قانون قیصر بأنه "لحظه فارقه فی التاریخ الاقتصادی السوری، إذ لا یقتصر على تحریر القطاع المصرفی أو فتح تجاره أوسع، بل یضع الأساس لمرحله إعاده إعمار شامله تعید بناء الدوله والمجتمع".
وحول توقیت ملامسه المواطن السوری لأثر إلغاء قانون قیصر معیشیا، یتوقع قوشجی أن ذلک سیبدأ خلال فتره قصیره نسبیا عبر تحسن الدخل وتوفر الوظائف وعوده الخدمات الأساسیه.
کیف یؤثر إلغاء "قیصر" على الاقتصاد السوری فی مرحله التعافی؟
یتفق الخبراء على أن أبرز مکاسب الاقتصاد السوری من إلغاء قانون قیصر تتمثل فی تخفیف تشدد المؤسسات المالیه تجاه سوریا، وخفض تکالیف التأمین والامتثال القانونی للشرکات، وبالتالی سهوله تدفق الاستثمارات.
ویرى زکی محشی أن هذه الخطوه تخفف من حاله الالتزام المفرط التی کانت تبدیها المؤسسات المالیه الدولیه تجاه سوریا، خاصه مع توجه البنوک الخارجیه إلى موقف أکثر حیادا بعد سنوات من النظره السلبیه للاقتصاد السوری والمرتبطه بالعقوبات.
ویضیف الخبیر أن العقوبات شکلت عائقا أمام تدفق الاستثمارات خلال العام الماضی، ورفعها الآن یعنی دخول استثمارات خلیجیه على نحو خاص، إضافه إلى استثمارات أمیرکیه فی قطاعات النفط والطاقه والغاز.
ویوضح الخبیر أن شرکتی "شیفرون" و"کونکو" الأمیرکیتین قد أبرمتا اتفاقات مع الجانب السوری سابقا، وکذا الحال مع الشرکات الخلیجیه العامله فی الخدمات اللوجستیه لقطاع الطاقه، والآن تستفید هذه الشرکات بشکل مباشر من رفع العقوبات.
وهو ما یتفق معه الباحث ملهم جزماتی، معتبرا أن العامل الأکثر ترجیحا فی هذه المرحله هو دخول البنوک والشرکات الخلیجیه إلى سوریا "لیس بدافع اقتصادی خالص، بل بفعل التحول السیاسی الذی یرافق عملیه إعاده الانفتاح على دمشق"، مؤکدا أن المؤسسات الخلیجیه عاده ما تکون هی صاحبه المبادره الأولى فی مثل هذه الحالات، لأنها تعمل ضمن منظومات رقابیه أکثر مرونه من المؤسسات الغربیه، وتستند إلى غطاء سیاسی یسمح بتحمل قدر أعلى من المخاطر.
ویشیر الباحث أیضا إلى أن إلغاء قانون قیصر یسهم فی خفض تکالیف التأمین والامتثال القانونی التی کانت تشکل عبئا کبیرا على الشرکات الراغبه فی العمل داخل سوریا أو التعامل معها. فهذه التکالیف -بحسب جزماتی- لم تکن مجرد رسوم إضافیه، بل کانت غالبا العامل الحاسم الذی یدفع الشرکات إلى الابتعاد عن السوق السوریه خشیه الوقوع فی مخالفات محتمله. ومع تراجع هذه المخاطر، یصبح الدخول إلى السوق أقل کلفه وأکثر قابلیه للتخطیط، مما یشجع على إطلاق مشاریع متوسطه الحجم فی قطاعات مثل الطاقه المتجدده والخدمات والبنیه التحتیه الخفیفه.
بعد إلغاء "قیصر" هل ستعود سوریا للمنظومه المالیه العالمیه؟
ویجمع خبراء اقتصاد ممن التقتهم الجزیره نت على أن إلغاء قانون قیصر یفتح أمام القطاع المصرفی السوری باب العوده إلى المنظومه المالیه العالمیه شریطه تحدیث القطاع بنیته الداخلیه والتزامه بالشروط والمعاییر المطلوبه.
وهو ما یذهب إلیه قوشجی موضحا أن إعاده ربط البنوک السوریه بشبکات التحویل الدولیه مثل "سویفت" تصیر خطوه رئیسیه فی هذا الاتجاه، لأنها تسهل عملیات الاستیراد والتصدیر وتعید جزءا من الثقه فی التعاملات المالیه.
ویشیر قوشجی إلى أن تدفق رؤوس الأموال عبر التحویلات الخارجیه والاستثمارات المباشره سینتعش مجددا بعد أن کان شبه معطّل أو محاطا بمخاطر قانونیه.
ویعتبر الخبیر أن هذا الانفتاح لا یکفی وحده، إذ یتوجب على البنوک السوریه تحدیث بنیتها الداخلیه، ورفع مستوى الشفافیه ، واعتماد معاییر الامتثال الدولیه الخاصه بمکافحه غسل الأموال وتمویل الإرهاب.
ویضیف، فی حدیثه للجزیره نت، أن هذه الخطوات تزید قدره المصارف على تمویل المشاریع، سواء تلک المتعلقه بإعاده الإعمار أو الاستثمار الخاص، مما ینعکس على النشاط الاقتصادی العام.
أما الباحث جزماتی فیرى أن الأثر الأعمق لإزاله قانون قیصر یتمثل فی "إمکانیه إعاده دمج المنظومه المصرفیه السوریه -ولو تدریجیا- فی النظام المالی العالمی"، مشیرا إلى أنه حتى لو بقیت العقوبات الأقدم المرتبطه بتصنیف سوریا "دوله راعیه للإرهاب"، فإن رفع قانون قیصر یزیل أهم عائق کان یمنع البنوک المراسله من النظر فی أی نوع من التعاون، سواء فی فتح خطوط مراسله محدوده، أو تسهیل التحویلات التجاریه، أو السماح بتمویل بعض المشاریع التنمویه عبر مؤسسات دولیه.
لکن الباحث یؤکد أن هذه العملیه لن تکون سریعه "لأنها تتطلب تحدیثا فی الأنظمه المصرفیه المحلیه والامتثال للمعاییر الدولیه، لکنها تمثل مع ذلک أول فرصه حقیقیه منذ سنوات لوقف تآکل القطاع المصرفی وتهیئه بیئه مالیه تسمح بالتجاره والاستثمار على نطاق أوسع".
فی حین یلفت زکی محشی إلى أن الانفتاح على التعاملات المصرفیه المباشره مع الخارج یصبح أسهل، وتصبح المصارف الأجنبیه أکثر مرونه مع نظیرتها السوریه، مما یجعل العملیات المالیه أقل تعقیدا، وینعکس على النشاط الاقتصادی داخل البلاد ومستوى معیشه السکان.
المصدر: الجزیره